ضمن إطار الجهود الدولية الرامية للتصدي للأمراض غير السارية، وتعزيز الحوار بين القطاعات المختلفة، وتحقيق قدر أكبر من الإنصاف والإدماج في الاستجابة العالمية لهذه الأمراض، واستعراض الممارسات المثلى في وضع السياسات وتقديم الخدمات؛ استضافت سلطنة عُمان بالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، اليوم (الأربعاء)، حدثًا جانبيًا رفيع المستوى بعنوان: "رؤية واحدة.. مستقبل واحد: حشد النشاط العالمي لمكافحة الأمراض غير السارية للأجيال القادمة"، وذلك في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة التي بدأت أعمال دورتها يوم الأحد الماضي.
استُهلت الجلسة بكلمة افتتاحية ألقتها صاحبة السمو السيدة الدكتورة منى بنت فهد آل سعيد – مساعدة رئيس جامعة السلطان قابوس لشؤون التعاون الدولي ، رئيسة اللجنة الوطنية للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها – قالت فيها: "تحمل سلطنة عُمان شأنها شأن العديد من الدول حول العالم عبء الأمراض غير السارية، فهذه الأمراض الصامتة بشدتها المدمرة تحصد الأرواح، وتحدّ من إمكانات الأفراد، وتضع ضغوطًا على نسيج مجتمعاتنا الأساسية، وتُدرك حكومة سلطنة عُمان تمام الإدراك هذا التحدي، وتواجهه بعزم وإصرار. وتعتمد جهودنا على قناعة راسخة بأن الوقاية المبنية على البيئة التي نُوجدها، والأغذية التي نستهلكها، والهواء الذي نتنفسه، والخيارات المتأثرة في أنظمة تتجاوز القطاع الصحي تمثل مسؤولية أخلاقية وضرورة اقتصادية في الوقت نفسه، بما يحقق فوائد كبيرة لشعبنا ومستقبل أجيالنا القادمة.
وأضافت: ندرك أن الوقاية يجب أن تُكمّلها العلاجات والرعاية، التي تظل الحصن الدائم للأفراد والأسر والمجتمعات المتأثرة فعلا. وقد عززت سلطنة عُمان نظامها الصحي لضمان العدالة والوصول الشامل للخدمات الصحية. ففي جميع أنحاء البلاد، تقدّم أكثر من 200 منشأة للرعاية الأولية الخدمات مجهزة بالأدوية الأساسية، والأدوات التشخيصية، ومقدمي الرعاية المؤهلين. وتلبي الخدمات المتخصصة احتياجات الأشخاص الذين يعيشون مع حالات مزمنة، وتُساعد برامج الكشف المبكر على معرفة الأمراض في مراحلها الأولى، وتُقدم المبادرات المجتمعية الخدمات الصحية مباشرة إلى حياة الناس، مُمكّنة إياهم من عيش حياة أطول وأكثر صحة ورفاهية.
وتطرقت: اعتُرف بجهود سلطنة عُمان في مجال الأمراض التنفسية المزمنة بتصنيفها مركزا متعاونا مع منظمة الصحة العالمية للبحث والتدريب في الأمراض التنفسية المزمنة، ويعكس هذا التميز التزام بلادنا بتطوير القدرات، وتعزيز الخدمات، والإسهام في الجهود الإقليمية والعالمية للحد من عبء هذه الأمراض، بالتعاون مع المجتمع الدولي، وحصلت سلطنة عُمان كذلك على الشهادة الرسمية للقضاء على الدهون المتحولة المنتجة صناعيًا، وهو إنجاز يحمي الأجيال القادمة من المخاطر الصحية. ولقد تقدّمت سلطنة عُمان في مجال مكافحة التبغ بتطبيق التغليف السهل لمنتجات التبغ، ومنع استخدام السجائر الإلكترونية، مؤكدة بذلك التزامها بحماية الصحة.
كما أضافت صاحبة السمو رئيسة اللجنة الوطنية للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها: نحن الآن على وشك إكمال أكبر مسح وطني للأسر حول الأمراض غير السارية؛ إذ شارك أكثر من 10,000 فرد؛ مما يشكّل قاعدة بيانات قوية للأدلة ترتبط بسلاسة بالمسوحات والدراسات السابقة بما يضمن الاستمرارية، وقابلية المقارنة، وعمق التحليل.
وأشارت: يأتي في صميم هذه الجهود إطار الرصد الوطني للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها؛ إذ يمثل أساسًا يربط البيانات المستقاة من المرافق الصحية بالاستجابات الصحية على مستوى السكان، ويضمن قياس النتائج والتأثير في طرائق تُفيد جميع القطاعات، وليس القطاع الصحي وحده، علمًا أن هذا الإطار يشكّل جسرًا يربط بين العلم والسياسة، وبين الصحة وأجندة التنمية الشاملة.
واستدركت قائلة: ندرك تمامًا التحديات المعقدة والمتشابكة في عصرنا الراهن، فالأمراض غير السارية لا توجد بمعزل عن غيرها؛ بل تتفاعل مع اضطرابات الصحة النفسية، والأمراض المعدية، والتهديدات العالمية مثل تلوث الهواء، واعترافًا بهذه الحقيقة المتلازمة، تتخذ سلطنة عُمان خطوات ملموسة لتحديث سياستها الوطنية متعددة القطاعات للأمراض غير السارية، وستعقد قريبًا حلقة عمل تشاورية تجمع جميع الأطراف المعنية لدفع هذه السياسة قدمًا، إلى جانب إعداد إستراتيجية وطنية للوقاية من الأمراض غير السارية، تعكس واقع حياة شعبنا وترابط المخاطر التي نواجهها.
واختتمت: إن عملنا الجماعي، في سلطنة عُمان وحول العالم، لا يقتصر على التخفيف من عبء الأمراض فحسب، بل يرتبط بحماية الكرامة، وصون الفرص، وضمان مستقبل الأجيال القادمة. وهو كذلك التزام بتوحيد الجهود مع أهداف التنمية المستدامة، والالتزامات الدولية والإقليمية، وداخل سلطنة عُمان مع مستهدفات رؤية عمان 2040، بما يكفل أن تظل الصحة ركيزةً للتنمية الوطنية ومرآة لتقدمنا".
وتضمن برنامج الحدث الجانبي سلسلة من العروض التقديمية والنقاشات التفاعلية شارك فيها خبراء بارزون من سلطنة عُمان، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، ومؤسسة السكري العالمية وقد أدار الجلسات الدكتور نيكولاس باناتفالا- رئيس أمانة فرقة العمل المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة المعنية بالوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها والدكتورة شذى بنت سعود الرئيسية- مديرة دائرة الأمراض غير السارية بوزارة الصحة-.
قدّم سعادة الدكتور أحمد بن سالم المنظري - وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتنظيم الصحي - عرضًا حول الرعاية الأولية: أساس مسيرة التحول الصحي، وتناول الدكتور أسـموس هامريش – مدير الأمراض غير السارية والصحة النفسية بإقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية – إستراتيجيات "أفضل الممارسات" لمكافحة الأمراض غير السارية.
كما قدّم فولكان سيتينكايا – كبير خبراء الاقتصاد الصحي بالبنك الدولي – عرضًا حول الضرائب الصحية: تحسين الصحة وتوليد الإيرادات الضريبية، واستعرضت سانِه فروست هِلت – المديرة العليا للسياسات والبرامج والشراكات بمؤسسة السكري العالمية – الشراكات متعددة الأطراف لتعزيز الاستجابة للأمراض غير السارية بدراسات وتجارب عالمية.
وشهد برنامج الحدث الجانبي الذي استضافته سلطنة عمان كذلك جلسة نقاشية رفيعة المستوى حول "القيادة والمساءلة: من الالتزامات إلى التأثير الفاعل.. المضي قدمًا نحو تعزيز التغطية الصحية الشاملة للأمراض غير السارية والإرادة السياسية"، بمشاركة من الدول الراعية، إلى جانب شخصيات دولية بارزة مثل سعادة الدكتورة حنان بلخي – المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط – ، ومعالي تيودورو هيربوسا - وزير الصحة الفلبيني - ، ومعالي الدكتور كوابينا مينتاه أكاندوه - وزير الصحة الغاني -، والنائب كريستوفر كايليا، عضو البرلمان الزامبي ورئيس رابطة الكومنولث البرلمانية، وأليسون كوكس - مديرة السياسات والمناصرة في التحالف المعني بالأمراض غير السارية-.
وقد ركّز الحدث على تعزيز الالتزامات السياسية العالمية لمكافحة الأمراض غير السارية، واستعراض قصص النجاح والتجارب الدولية في مجالات السياسات والتمويل والوقاية، إلى جانب إطلاق شراكات متعددة القطاعات تشمل الصحة، والتعليم، والمالية، والزراعة، والتكنولوجيا. والدعوة إلى دعم التدخلات المجربة مثل فرض الضرائب على التبغ والسكر والكحول، وتوسيع نطاق الرعاية الصحية الأولية.
هدف هذا الحدث إلى إحياء النشاط العالمي وترجمة الوعود السياسية إلى واقع ملموس، بتسليط الضوء على قصص النجاح المؤثرة والاستفادة منها، وأسفر عن مجموعة من التوصيات والسياسات العملية، وخطة متابعة لمدة تتراوح بين 12 شهرًا و24 شهرًا، تهدف إلى تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف المتعلق بخفض الوفيات المبكرة الناتجة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث بحلول عام 2030.
الجدير بالذكر أن سلطنة عُمان تبرز اليوم بصفتها صوتًا فاعلًا ومؤثرًا في الجهود العالمية لمكافحة الأمراض غير السارية؛ إذ أولت الحكومة هذا الملف أولوية قصوى وجعلته ركنًا أساسيًا ضمن أجندتها الصحية الوطنية بإرادة سياسية راسخة. كما رسخت سلطنة عمان نظم حوكمة متعددة القطاعات، ودمج قضايا الأمراض غير السارية في إستراتيجياتها التنموية الشاملة، إلى جانب الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية والمبادرات المجتمعية. ويعكس الحضور البارز لسلطنة عُمان في المنصات الإقليمية والدولية التزامها بالعدالة الصحية والابتكار وتعزيز القدرة على الصمود في مجال الصحة العامة.
