تأكيدًا لالتزامها الراسخ بترسيخ العلاقة بين الصحة والسلام، وتعزيزًا لدور الصحة بصفتها جسرا لتحقيق الاستقرار والسلام، وأهميتها في مواجهة التحديات العالمية؛ استضافت سلطنة عُمان شراكةً مع فنلندا والصومال والسودان وسويسرا واليمن، حدثًا جانبيًا رفيع المستوى بعنوان: "الوحدة في العافية: تعزيز السلام من خلال الصحة العالمية"، على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي بدأت أعمال دورتها الأحد الماضي وذلك بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وألقى معالي الدكتور هلال بن علي بن هلال السبتي – وزير الصحة – كلمة افتتاحية، قال فيها: "لقد دأبت سلطنة عُمان على تبنّي الحوار والتفاهم والتعاون وجعلتها ركائز ثابتة لسياستها الخارجية؛ إننا نؤمن بأن الصحة يمكن أن تكون جسرًا للسلام، تجمع بين المجتمعات، وتعزز الثقة المتبادلة، وتُسهم في ترسيخ القدرة على الصمود في مواجهة النزاعات ومظاهر الهشاشة. ونؤكد التزامنا الثابت بتحقيق رؤية خريطة الطريق وأهدافها لمبادرة الصحة من أجل السلام، وبترسيخ نهج "الصحة والسلام" في جميع برامجنا، بما يكفل أن تكون شاملة ومنصفة وتشاركية ومستدامة.
وأضاف: تدعو هذه المبادرة، التي تقودها منظمة الصحة العالمية، إلى تصميم برامج صحية لا تقتصر على إنقاذ الأرواح فحسب، بل تمتد أيضًا لتوطيد أواصر التماسك الاجتماعي وتعزيز مقومات الاستقرار.
وأكد: إن منطقتنا كسائر العديد من مناطق العالم ما زالت تواجه تداعيات النزاعات الحادة والمطوّلة وحالات الطوارئ المتكررة، وقد ترتب على ذلك نزوح داخلي وخارجي، وإضعاف النظم الصحية، وتدهور أوضاع الصحة لملايين البشر. إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالصحة في مثل هذه السياقات سيكون أمرًا شبه مستحيل ما لم نُكيّف استجابتنا بما يضمن الحد من تفاقم التحديات على أرض الواقع، ويُعزّز في الوقت ذاته قدرتنا على تقديم المساعدة اللازمة.
وقال معاليه: إن سلطنة عُمان ستواصل القيام بدور الجسر الذي يربط بين الأمم، ويعزّز أواصر الحوار، ويحوّل التحديات المشتركة إلى فرص مشتركة من أجل عالم أكثر صحة وسلامًا، ونجدد تأكيد ما عبّر عنه المدير العام بعبارته: "لا صحة بلا سلام، ولا سلام بلا صحة."
بدوره ألقى معالي الدكتور علي حاجي آدم أبوبكر - وزير الصحة والخدمات الإنسانية بجمهورية الصومال الفيدرالية - كلمة قال فيها: "أما في الصومال، فإن العلاقة بين الصحة والسلام ليست مفهومًا نظريًا، بل واقعا نعيشه يوميًا؛ إذ نعيد بناء نظامنا الصحي في سياق هش، تتخلله صعوبات النزوح المتكرر ومجابهة الصدمات المناخية المتوالية. وقد شهدنا بأمّ أعيننا كيف يمكن للنظام الصحي، حين يحظى بالثقة، أن يشكّل جسرًا للتماسك الاجتماعي، ويعيد الأمل إلى المجتمعات التي مزقتها النزاعات.
وأضاف: بات جليًا لنا في الصومال أن الصحة غالبًا ما تكون أول ثمرة ملموسة للسلام؛ ففي المناطق المحررة حديثًا التي حُرمت المجتمعات فيها من الخدمات لسنوات، جعلت حكومتنا تقديم الخدمات الصحية أولوية قصوى. وخلال أيام قليلة من استقرار الوضع الأمني، أوفدنا فرقا متنقلة لتوفير خدمات الصحة والتغذية، وأعدنا فتح المراكز الصحية، ونظمنا حملات تطعيم حتى في أكثر المناطق انعداما للأمن.
وأوضح: لم تُسهم هذه التدخلات المبكرة في إنقاذ الأرواح فحسب، بل أعادت أيضًا الثقة بين الدولة والمواطنين. فجاءت الأمهات، اللواتي لم يَرَيْن عاملًا صحيًا منذ سنوات، لتطعيم أطفالهن، وحشد القادة المحليون جماعاتهم لحملات النظافة، وتطوع الشباب للعمل بصفتهم مرشدين صحيين. إذ كلما زادت الثقة، تعزَز التعاون المجتمعي مع أجهزة الدولة الأمنية والإدارية في دليلٍ واضحٍ على أن توفير الصحة هو في جوهره توفيرٌ للأمل.
وأختتم كلمته قائلًا: السلام بدوره يُمكّن الصحة؛ إذ إن وقف إطلاق النار من أجل حملات التطعيم كما حدث في "أيام الهدوء" لاستئصال شلل الأطفال يُظهر كيف يمكن أن تشكل الصحة مدخلًا محايدًا للمفاوضات وبناء الثقة، وإذ ننتقل من مرحلة المفاهيم والتصورات إلى مرحلة التنفيذ، فإننا ندعو إلى تنفيذ مبادرة الصحة والسلام العالمية على المستوى الوطني بدعم الدول الأعضاء، وحماية العاملين الصحيين والمرافق الصحية، وتعزيز الشراكات متعددة القطاعات، والاستثمار في الأدلة والتعلّم".
وضمن برنامج الحدث، قدّم الدكتور عبدالله الحارثي – مستشار الوزير لشؤون التعاون الدولي – عرضًا مرئيًا حول الروابط القائمة بين الصحة والسلام: دور سلطنة عُمان. وعرضًا آخر قدمته إليزابيث ماري سبيار - مساعد الأمين العام لدعم بناء السلام - حول إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام (DPPA).
كما قدّم الدكتور محمد يعقوب جنابي – المدير الإقليمي لأفريقيا بمنظمة الصحة العالمية – عرضًا حول الصحة والسلام، واستعرض الدكتور أسـموس هامرِش – مدير الأمراض غير السارية بإقليم شرق المتوسط في المنظمة – واقع الأمراض غير السارية في حالات الطوارئ ودور مبادرة الصحة والسلام العالمية.
وقدمت الدكتورة إنما فاسكيز – رئيسة الدبلوماسية الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود – عرضًا حول حماية الرعاية الصحية والعاملين الصحيين في أوقات النزاع، واختتمت الدكتورة بيث ستينشومب – ممثلة الاتحاد الدولي لجمعيات طلبة الطب – العروض بعرض مرئي حول "دور الشباب في المبادرة العالمية للصحة والسلام".
كما شاركت سعادة الدكتورة حنان بلخي – المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط – في تقديم الخلاصة والتوصيات الختامية.
وأسفر الحدث عن إطلاق التزامات جديدة لدمج الصحة والسلام في السياسات الوطنية والدولية، ورفع مجموعة من التوصيات إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم الأجندة الصحية والسلمية العالمية.
ويهدف هذا الحدث إلى تسليط الضوء على الدور المحوري للصحة في ترسيخ السلام والتنمية، واستعراض الممارسات المثلى والتجارب الدولية، وتعزيز الشراكات متعددة القطاعات لبناء أنظمة صحية أكثر مرونة واستقرارًا حول العالم.
الجدير بالذكر أن المبادرة العالمية للصحة والسلام (GHPI) هي مبادرة تابعة لمنظمة الصحة العالمية (WHO) تهدف إلى تعزيز الروابط بين البرامج الصحية وجهود تحقيق السلام. وقد أطلقتها سلطنة عُمان وسويسرا في نوفمبر عام 2019، عقب مشاورات متعددة الأطراف في جنيف شارك فيها أكثر من 50 ممثلًا من 24 دولة وشركاء دوليين. وفي مايو 2024، تبنّت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية قرارًا بشأن المبادرة، بعد عدة سنوات من المشاورات مع مجموعة واسعة من الجهات المعنية لوضع خريطة طريق. ومنذ اعتمادها، تفعل المنظمة بنشاط المبادرة عبر مسارات العمل المختلفة، وتعزز خريطة الطريق الخاصة بها.

